الخميس، 21 مارس 2013

2:40 م
13
قال تعالى : {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }يوسف 111
من قصص السلف الصالح
القصة الاولى :

الفضيل بن عياض أحد الصالحين الكبار كان يسرق ويعطل القوافل في الليل، يأخذ فأساً وسكيناً ويتعرض للقافلة فيعطلها، كان شجاعاً قوي البنية، وكان الناس يتواصون في الطريق إياكم والفضيل إياكم والفضيل ! والمرأة تأتي بطفلها في الليل تسكته وتقول له: اسكت وإلا أعطيتك للفضيل .وقد سمعت قصةً من رجل تاب الله عليه لكن تحدث بأخبار الجاهلية، قال: كنت أسرق البقر -وهو شايب كبير أظنه في المائة- قال: فنزلنا في تهامة ، فأتت امرأة ودعت على بقرتها وقالت: الله يسلط عليك فلاناً، وهو صاحب القصة، قال: فلما حلبت البقرة أخذت البقرة برباطها وطلعت الحجاز ، أي: وقعت الدعوة مكانها، فيشتهر -والعياذ بالله- بعض الناس حتى يصبح يضرب به المثل، فالمرأة كانت تقول للولد: اسكت وإلا أخذك الفضيل . أتى الفضيل بن عياض فطلع سلماً على جدار يريد أن يسرق صاحب البيت، فأطل ونظر إلى صاحب البيت فإذا هو شيخ كبير، وعنده مصحف، ففتحه واستقبل القبلة على سراج صغير عنده ويقرأ في القرآن ويبكي -انظر الفرق بين الحياتين: هذا يقطع السبل، لا صلاة ولا صيام ولا عبادة ولا ذكر ولا إقبال، وهذا يتلو آيات الله أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الرعد:19] وقال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:9]

    جلس الفضيل ووضع يده على السقف وظل ينظر إلى ذلك الرجل العجوز الذي يقرأ القرآن ويبكي، وعنده بنت تصلح له العشاء، وأراد أن يسرقه وهو بإمكانه؛ لأن ذلك الرجل قوي، وهذا الشيخ لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، فمر الشيخ بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16]
فنظر الفضيل إلى السماء وقال: يا رب! أني أتوب إليك من هذه الليلة، ثم نزل فاغتسل ولبس ثيابه وذهب إلى المسجد يبكي حتى الصباح،فتاب الله عليه، فجعله إمام الحرمين في العبادة، هذا السارق أولاً أصبح إمام الحرمين الحرم المكي، والحرم المدني، حتى يقول له عبد الله بن المبارك في قصيدته:يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب فالله عز و جل يقلب القلوب طيف ما شاء .و لذلك و جب الدعاء يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. ثم من ناحية اخرى ان الله عز و جل يهدي اقواما من يرى حالهم و اعمالهم يكاد يحكم عليهم بالشقاء و هذا خطا شنيع وقع فيه اكثر الناس الا من حفظ الله. فرسول الله صلوات ربي و سلامه عليه يقول : عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم علقه مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك , ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح , ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه , وأجله , وعمله , وشقي أم سعيد ؛ فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار , وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة " رواه البخاري ومسلم
   ان الإنسان يجب أن يكون على خوف ورهبة , لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر " إن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها "
أنه لا ينبغي لإنسان أن يقطع الرجاء فإن الإنسان قد يعمل بالمعاصي دهرا طويلا ثم يمن الله عليه بالهداية فيهتدي في آخر عمره .
فإن قال قائل : ما الحكمة في أن الله يخذل هذا العمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار ؟
فالجواب :
إن الحكمة في ذلك هو أن هذا الذي يعمل بعمل أهل الجنة إنما يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإلا فهو في الحقيقة ذو طوية خبيثة ونية فاسدة , فتغلب هذه النية الفاسدة حتى يختم له بسوء الخاتمة نعوذبالله من ذلك . وعلى هذا فيكون المراد بقوله " حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع " قرب أجله لا قربه من الجنة بعمله .

من قصص السلف الصالح
القصة الثانية :

روي عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه قال : دخلتُ على بعض المجوس وهو يجود بنفسه عند الموت ، وكان منزلهُ بإزاء منزلي ، وكان حسن الجوار ، وكان حسن السيرة ، حسن الخلق ، فرجوتُ الله تعالى أن يوفَّقه عند الموت ، ويميتُه على الإسلام ،،
فقلت له : ما تجد ، وكيف حالك ؟ فقال : لي قلب عليل ولا صحّة لي ،وبدنٌ سقيمٌ ولا قوة لي ، وقبر مُوحش ولا أنيس لي ،وسفر بعيد ولا زاد لي ، وصراطٌ دقيق ولا جواز لي ، ونار حامية ولا بدنَ لي ،وجنَّة عالية ولا نصيب لي ، وربٌّ عادل ولا حُجَّةَ لي . قال الحسن : فرجوتُ الله أن يوفَّقه ، فأقبلت عليه وقلت له : لم لا تُسلِم حتى تَسلمَ ؟ قال : يا شيخ ، إنَّ المِفتاح بيدِ الفتاح ، والقفُل هاهنا ، وأشار إلى صدره ، وغشيَ عليه . قال الحسن : فقلت : إلهي وسيِّدي ومولاي ، إن كان سبقَ لهذا المجوسيِّ عندك حسنةٌ فعجِّل لها إليه قبل فراق روحه من الدنيا، وإنقطاع الأمل . فأفاق من عشيته ، وفتح عينه ، ثم أقبل وقال : يا شيخ ، إنَّ الفتَّاح أرسل المفتاح ، أمدد يمناك ، فأنا أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأشهدُ أن محمداً رسول الله ، ثم خرجت روحه وصار إلى رحمة الله

الخلاصة :
تعلمنا هذه القصة كيف كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يعاملون الناس ,حتى المشركين منهم و المجوس .لانهم فهموا دينهم و حفظوا اسلامهم .فلاسلام يوصينا ان لا نسيء لمن لا يسيء لنا , و ان نعاملهم معاملة الاسلام ما داموا لا يحاربون
الله و رسوله .و الرسول صلى الله عليه و سلم كان قد أمن على اليهود قبل غدرهم بالمسلمين . ثم ان حسن معاملتهم قد تدخلهم الاسلام .تأثرا بالاخلاق الاسلامية الحميدة . هنا نتذكر قول رسول الله صلى الله عليه و سلم :
((لأن يهدِي الله بِك رجُلاً واحداً خيرٌ لك من حمرِ النعَم))

من قصص السلف الصالح
القصة الثالثة :

بعد أن استقرت دولة الإسلام في الشام و تولى أمرها معاوية بن أبي سفيان من قبل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فكتب إليه يأمره بغزو الروم، وبأن يولي على الجيش عبد الله بن حذافة السهمي ففعل ...
خرج الجيش لغزو الروم، فغزاهم وأوقع بهم، ولكن عبد الله و ثلة قليلة كانت معه وقعوا في كمين من الروم فأخذوهم أسرى ..!!
ما تظن أن يفعل هرقل برجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم المقربين إليه، هؤلاء الذين طالما سمع عنهم وعجب من أمرهم وقد فعلوا بجيشه ما فعلوا بالشام ..
لطالما أحب أن يرى بعضهم ليختبرهم بنفسه، فيرى أي نوع من الرجال هم..!! تعالَوا لنسمع ما فعل هرقل ...

دفع هرقل عبد الله إلى أحد رجاله وأوصاه، أن يجيعه، ثم يطعمه لحم خنزير، فأجاعه الرجل وكان كل يوم يأتيه بلحم خنزير فيضعه أمامه ليأكله، ولكن عبد الله كان يُعرض عنه، ويقول: هذا طعام لا يحل لنا أكله، ومضت على ذلك أيامٌ حتى شارف على الهلاك..

فأخبر الرجل هرقل بذلك، فقال له: أطعمه ما يريد، ثم، أعطشه، وأعطه خمراً ليشربها بدلاً من الماء، ففعل الرجل ذلك ..
لكن ما ظنكم بصاحب رسول الله أيُشمِت به الروم؟ كان يعرض عن الخمر ويقول: هذا شراب لا يحل لنا شربه . حتى أشفى على الهلاك فأخبر الرجل هرقل بذلك، وقال له: إن كانت لك في الرجل حاجة فأطعمه ما يريد ودعه يشرب ما يريد قبل أن يهلك .
فقال هرقل: دعه يأكل ويشرب ما يريد، إنني بلوته بالضراء وسأبلوه بالسراء، أرسلوا إليه أفخر الطعام والشراب والثياب و....
ففعل الرجل ذلك .. لكن ما ظنكم بصاحب رسول الله أيُشمِت به الروم؟ كان يعرض عن الخمر ويقول: ولكن عبد الله ما كان يلتفت إلى شيء بل كان لا يأكل إلا قوتاً، ولا يشرب إلا كفافاً، ولا يبدل ثوبه إلا إذا اتسخ ....، عند ذلك أرسل إليه هرقل وقال له: قد بلوتك بالضراء وبالسراء فصبرت، فهل لك أن تقبّل رأسي وتنجو بنفسك؟ قال: لا، لا أقبّل رأسك لأنجو بنفسي فقط .
فقال له: فهل لك أن تقبّل رأسي وأدفع لك كل أسير من المسلمين عندي؟ قال: نعم.
وقبّل عبد الله بن حذافة رضي الله تعالى عنه رأس هرقل، ودفع إليه هرقل جميع أسارى المسلمين الذين عنده (وكانوا ثمانين رجلاً) فعاد بهم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. وعندما قصّ القصة على عمر قام وقبّل رأسه، وقال له: يرحمك الله، ما منعك إذ بلغ بك الجهد ما بلغ أن تأكل لحم الخنزير، وأن تشرب الخمر، فقال: والله يا أمير المؤمنين، لقد علمت أن ذلك موسّعاً لي فيه، ولكنني كرهت أن يشمت الروم وهرقل بالإسلام وأهله.
من يكون عبد الله بن حذافة السهمي؟:
صحابي جليل من المهاجرين، أسلم قديماً، وهاجر إلى الحبشة، وأرسله النبي صلى الله عليه وسلّم بكتابه إلى كسرى، عندما أرسل الكتب إلى ملوك الدول حوله ليدعوهم إلى الإسلام. شهد فتح مصر وتوفي بها، في أيام عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه سنة 33 هـ .

من قصص السلف الصالح
القصة الرابعة : 

بينما كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ..يجول في احد الاسواق تفقدا للرعية .اذ به يرى عجوزا قد احدودب ظهره من كبره ,و هو يتسول من الناس ...فعجب منه عمر و سأله ..من انت يا رجل ؟ فقال له ..انا رجل يهودي قد افقرني عمر بن الخطاب بالجزية التي فرضها علينا ...و انني امد يدي قصد دفع الجزية....فبكى عمر رصي الله عنه بكائا شديدا و قالل له اتبعني ... ثم امر ان يعفى هذا الشيخ من الجزية بل و امر له براتب يعطى اليه كل شهر حتى لا يمد يده .

من قصص السلف الصالح
القصة الخامسة :

"يحكى انه في القرن الاول الهجري كان هناك شابا تقياً يطلب العلم ومتفرغ له ولكنه كان فقيرا وفي يوم من الايام خرج من بيته من شدة الجوع ولانه لم يجد ما يأكله فانتهى به الطريق الى احد البساتين والتي كانت مملؤة باشجار التفاح وكان احد اغصان شجرة منها متدليا في الطريق ... فحدثته نفسه ان ياكل هذه التفاحة ويسد بها رمقه ولا احد يراه ولن ينقص هذا البستنا بسبب تفاحة واحده ...
فقطف تفاحة واحدة وجلس ياكلها حتى ذهب جوعه ولما رجع الى بيته بدات نفسه تلومه وهذا هو حال المؤمن دائما جلس يفكر ويقول كيف اكلت هذه التفاحة وهي مال لمسلم ولم استأذن منه  ولم استسمحه فذهب يبحث عن صاحب البستان حتى وجده فقال له الشاب يا عم بالامس بلغ بي الجوع مبلغا عظيماً واكلت تفاحة من بستانك من دون علمك وهئنذا اليوم أستأذنك فيها فقال له صاحب البستان .. والله لا أسامحك بل انا خصيمك يوم القيامة عند الله!!! بدأ الشاب المؤمن يبكي ويتوسل اليه أن يسامحه وقال له انا مستعد ان اعمل اي شي بشرط ان تسامحني وتحللني وبدا يتوسل الى صاحب البستان وصاحب البستان لا يزداد الا اصرارا وذهب وتركه والشاب يلحقه ويتوسل اليه حتى دخل بيته وبقي الشاب عند البيت ينتظر خروجه الى صلاة العصر... فلما خرج صاحب البستان وجد الشاب لا زال واقفا ودموعه التي تحدرت على لحيته فزادت وجهه نورا غير نور الطاعة والعلم فقال الشاب لصاحب البستان يا عم انني مستعد للعمل فلاحا في هذا البستان من دون اجر باقي عمري او اي امر تريد ولكن بشرط ان تسامحني عندها... اطرق صاحب البستان يفكر ثم قال يا بني انني مستعد ان اسامحك الان لكن بشرط فرح الشاب وتهلل وجهه بالفرح وقال اشترط ما بدى لك ياعم فقال صاحب البستان شرطي هو ان تتزوج ابنتي !!!ا صدم الشاب من هذا الجواب وذهل ولم يستوعب بعد هذا الشرط ثم اكمل صاحب البستان قوله ... ولكن يا بني اعلم اني ابنتي عمياء وصماء وبكماء وايضا مقعدة لا تمشي ومنذ زمن وانا ابحث لها عن زوج استأمنه عليها ويقبل بها بجميع مواصفاتها التي ذكرتها فإن وافقت عليها سامحتك صدم الشاب مرة اخرى بهذه المصيبة الثانية وبدأ يفكر كيف يعيش مع هذه العلة خصوصا انه لازال في مقتبل العمر؟ وكيف تقوم بشؤنه وترعى بيته وتهتم به وهي بهذه العاهات ؟ بدأيحسبها ويقول اصبر عليها في الدنيا ولكن انجو من ورطة التفاحة !!!! (سبحان الله شوفوا بعد النظر) ثم توجه الى صاحب البستان وقال له يا عم لقد قبلت ابنتك واسال الله ان يجازيني على نيتي وان يعوضني خيرا مما اصابني (الله أكبر) فقال صاحب البستان .... حسناا يا بني موعدك الخميس القادم عندي في البيت لوليمة زواجك وانا اتكفل لك بمهرها فلما كان يوم الخميس جاء هذا الشاب متثاقل الخطى... حزين الفؤاد... منكسر الخاطر...
ليس كأي زوج ذاهب الى يوم عرسه فلما طرق الباب فتح له ابوها وادخله البيت وبعد ان تجاذبا اطراف الحديث قال له يا بني... تفضل يالدخول على زوجتك وبارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما على خير واخذه بيده وذهب به الى الغرفة التي تجلس فيها ابنته فلما فتح الباب ورآها .... فاذا فتاة بيضاء اجمل من القمر قد انسدل شعركالحرير على كتفيهافقامت ومشت اليه فاذا هي ممشوقة القوام وسلمت عليه وقالت السلام عليك يا زوجي .... اما صاحبنا فهو قد وقف في مكانه يتأملها وكأنه امام حورية من حوريات الجنة نزلت الى الارض وهو لا يصدق ما يرى ولا يعلم مالذي حدث ولماذا قال ابوها ذلك الكلام ... ففهمت ما يدور في باله فذهبت اليه وصافحته وقبلت يده وقالت انني عمياء من النظر الى الحرام وبكماء من النظر الى الحرام وصماء من الاستماع الى الحرام ولا تخطو رجلاي خطوة الى الحرام .... وانني وحيدة ابي ومنذعدة سنوات وابي يبحث لي عن زوج صالح فلما اتيته تستاذنه في تفاحة وتبكي من اجلها قال ابي ان من يخاف من اكل تفاحة لا تحل له حريّ به ان يخاف الله في ابنتي فهنيئا لي بك زوجا وهنيئا لابي بنسبك وبعد عام انجبت هذا الفتاة من هذا الشاب غلاما كان من القلائل الذين مروا على هذه الأمة ااتدرون من ذلك الغلام انه الامام ابو حنيفة صاحب المذهب الفقهي المشهور نسال الله ان يزقنا واياكم مثل تلك االتفاحة

من قصص السلف الصالح
القصة السادسة :

  في ذيل طبقات الحنابلة ذكر ابن رجب في ترجمة القاضي أبي بكر الأنصاري البزاز ، أنه قال : كنت مجاورا مكة حرسها الله فأصابني يوم من الأيام جوع شديد ولم أجد شيء ادفع به عني ذلك الجوع وخرجت أبحث عن طعام فلم أجد ، فوجدت كيسا من حرير مشدودا برباط من حرير ، قال : فأخذته وجئت به إلى بيتي وحللته فوجت فيه عقدا من لؤلؤ لم أر مثله قط ،

   قال : فربطته وأعدته كما كان ثم خرجت أبحث عن طعام فإذا بشيخ ينادي ويقول : ومن وجد كيسا صفته كذا وكذا وله ( 500 ) دينار من الذهب ، فقلت في نفسي : أني محتاج وجائع أفآخذ هذه الدنانير لأنتفع بها وأرد له كيسه ، فقلت : له تعالى إليّ ، قال : فأخذته إلى بيتي وسألته عن علامة الكيس وعلامة اللؤلؤ وعدد الؤلؤ المشدود به ، فإذا هو كما كان ، قال : فأخرجته ودفعته إليه ، فسلم إليّ ( 500 ) دينار الجائزة ، التي ذكرها .
فقلت له : يجب علي أن أعيده إليك ولا آخذ له جزاء ، فقال لا بد أن تأخذ وألحّ عليّ كثيرا وأنا أحوج ما أكون ، قال : فقلت : والذي لا إله إلا هو ما آخذ عليه جزاء من أحد سوى الله ، فلم أقبل الدنانير ، فتركني ومضى ورجع الشيخ بعد موسم الحج إلى بلده .
وأما ما كان منى ( الكلام للإمام البزاز ) فإنني خرجت من مكة وركبت البحر وسط أمواجه المتلاطمه وأهواله ، وتكسر المركب وغرق الناس وهلكت الأموال ، قال : وسلمني الله ، إذ بقيت على قطعة من المركب تذهب بي يمنة ويسره ولا أدري إلى أين تذهب بي ، وبقيت مدة في البحر يتقاذفني الأمواج من مكان إلى مكان حتى قذفني إلى جزيرة فيها أميّون لا يقرؤون ولا يكتبون قال : فجلس في مسجدهم وقمت أقرأ ، قال : فما أن رآني أهل المسجد حتى اجتمعوا علي فلم يبق في الجزيرة أحدا إلا قال علمني القرآن .
قال : فعلمتهم القرآن وحصل إليّ خير كثير من جراء ذلك ، قال : ثم رأيت في المسجد مصحفا ممزقا فأخذته وأوراقه لأقرأ بها : فقالوا : أتحسن الكتابه ، فقلت نعم ، قالوا : علمنا الخط ، فقلت : لا بأس ، فجاؤوا بصبيانهم وشبابهم فكنت أعلمهم ، وحصل لي خير كثير ورغبوا فيه فقالوا له بعد ذلك وهم يريدون أن يبقى معهم ، عندنا جارية يتيمة ومعا شيء من الدنيا ونريد أن نزوجها لك وتبقى معنا في هذه الجزيرة ، قال : فتمنعت ، فألحوا عليّ وألزموني فلم أجد أمامي إلا ألحاحهم وإصرارهم ، فأجبت طلبهم .
فجهزوها لي وزفها محارمها ، وجلست معهم وإذا بي أنظر إليها وإذا العقد الذي رأيته بمكة بعينه ، معلقة بعنقها ، دهشت وما كان لي بشغل إلا النظر إلى العقد فقال محارمها : يا شيخ كسرت قلب اليتيمة لم تنظر إليها وإنما تنظر إلى العقد ، قلت : إن في هذا العقد قصة ، قالوا ما هي قصته ، فقصصتها عليهم ، فصاحوا وضجوا بالتهليل والتكبير وصرخوا بالتسبيح حتى بلغ صوتهم أنحاء الجزيرة ، فقلت سبحان الله ما بكم ، قالوا إن هذا الشيخ الذي رأيته وأخذ العقد في مكه هو أبو هذه الصبية ، وكان يقول عند عودته من الحج ويردد دائما : والله ما رأيت على وجه الأرض مسلما كهذا الذي رد علي العقد بمكة ، اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه ابنتي ، وتوفي ذلك الرجل وحقق الله دعوته .
يقول : فبقيت معها مدة من الزمن فكان خير امرأة ورزقت منها بولدين ثم توفيت فعليها رحمة الله فورثت العقد المعهود أنا وولداي ، قال : ثم توفي الولدان واحدا واحدا قال : فورثت العقد منهم قال : فبعته مئة ألف دينار ، ويحدث بعد مدة ويقول هذا من بقايا ثمن العقد فرحمة الله على الجميع .


من قصص السلف الصالح
القصة السابعة :

أمر قوم امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع ابن خثيم لعلها تفتنه ، وجعلوا لها إن فعلت ذلك ألف درهم ! فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب ، وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه ، ثم تعرضت له حين خرج من مسجده . فنظر إليها، فراعه أمرها، فأقبلت عليه وهي سافرة. فقال لها الربيع : كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك ، فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك ؟ أم كيف بك لو قد نزل بك ملك الموت ، فقطع منك حبل الوتين ؟ أم كيف بك لو سألك منكر ونكير؟ فصرخت المرأة صرخة، فخرت مغشيا عليها، فوالله لقد أفاقت ، وبلغت من عبادة ربها ما أنها كانت يوم ماتت كأنها جذع محترق


من قصص السلف الصالح
القصة الثامنة :

قال الملحدون لأبي حنيفة : في أي سنة وجد ربك ؟ قال : (الله موجود قبل التاريخ والأزمنة لا أول لوجوده قالوا : نريد منك إعطاءنا أمثلة من الواقع. قال لهم : ماذا قبل الأربعة ؟ قالوا : ثلاثة. قال لهم :ماذا قبل الثلاثة ؟ قالوا : إثنان.
قال لهم : ماذا قبل الإثنين ؟ قالوا : واحد. قال لهم : وما قبل الواحد ؟ قالوا : لا شئ قبله. قال لهم : إذا كان الواحد الحسابي لا شئ قبله فكيف بالواحد الحقيقي وهو الله ! إنه قديم لا أول لوجوده. قالوا : في أي جهة يتجه ربك ؟ قال : لو أحضرتم مصباحا في مكان مظلم إلى أي جهة يتجه النور ؟ قالوا : في كل مكان. قال : إذا كان هذا النور الصناعي فكيف بنور السماوات والأرض. قالوا : عرّفنا شيئا عن ذات ربك ؟ أهي صلبة كالحديد أو سائلة كالماء ؟ أم غازية كالدخان والبخار؟ فقال : هل جلستم بجوار مريض مشرف على النزع الأخير ؟ قالوا : جلسنا. قال: هل كلمكم بعدما أسكته الموت ؟ قالوا : لا. قال : هل كان قبل الموت يتكلم ويتحرك ؟ قالوا : نعم. قال : ما الذي غيره ؟ قالوا : خروج روحه. قال : أخرجت روحه ؟ قالوا :نعم. قال : صفوا لي هذه الروح، هل هي صلبة كالحديد ؟ أم سائلة كالماء ؟ أم غازية كالدخان والبخار ؟ قالوا : لا نعرف شيئا عنها. قال : إذا كانت الروح المخلوقة لا يمكنكم الوصول إلى كنهها فكيف تريدون مني أن اصف لكم الذات العلية

من قصص السلف الصالح
القصة التاسعة :

أعلم أن العنوان قد شدكم كثيراً , ولكن اعلم أن القصة التي سوف اسردها لكم تحتوي على ما هو أكثر شداً وجاذبية من العنوان . هذه القصة هي جزء مهم وحساس من سيرة التابعي الجليل ( عروة بن الزبير ) وصدق الله سبحانه " لقد كان في قصصهم عبرة "
عروة بن الزبير أحد علماء وعباد التابعين , وهو أحد أبناء الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه ( حواري الرسول عليه الصلاة والسلام ) , وأمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ( ذات النطاقين ) وخالته عائشة بنت أبي بكر رضي الله ( أم المؤمنين زوج رسول الله عليه الصلاة والسلام ) وأخوه الأكبر عبدالله بن الزبير ( الصحابي العالم المجاهد وهو من طاف بالكعبة المشرفة سباحة حين أحاطت بها السيول من كل جانب ) نعود إلى عروة رحمه الله , وسوف استجزئُ من حياته هذا الموقف العجيب وهذا الجبل من الصبر على قضاء الله وقدره , ثم أختم القصة برأس الطفل الذي في فم الذئب . كانت هذه القصة في عهد الخليفة الوليد بن عبدالملك , فقد طلب الخليفة الوليد بن عبدالملك عروة بن الزبير لزيارته في دمشق مقر الخلافة الأموية , فتجهز عروة للسفر من المدينة النبوية إلى دمشق واستعان بالله وأخذ أحد أولاده معه ( وقد كان أحب ابناؤه السبعة إليه ) وتوجه إلى الشام , فأصيب في الطريق بمرض في رجله أخذ يشتد ويشتد حتى أنه دخل دمشق محمولاً لم يعد لديه قدرة على المشي . انزعج الخلفية حينما رأي ضيفه يدخل عليه دمشق بهذه الصورة فجمع له أمهر الأطباء لمعالجته , فاجتمع الأطباء وقرروا أن به الآكلة ( ما تسمى في عصرنا هذا الغرغرينا ) وليس هناك من علاج إلا بتر رجله من الساق , فلم يعجب الخليفة هذا العلاج, ولسان حاله يقول (كيف يخرج ضيفي من بيت أهله بصحة وعافية ويأتي إلي أبتر رجله وأعيده إلى أهله أعرجاً ) ولكن الأطباء أكدوا أنه لا علاج له إلا هذا وإلا سرت إلى ركبته حتى تقتله , فأخبر الخليفةُ عروةَ بقرار الأطباء , فلم يزد على أن قال ( اللهم لك الحمد ) . اجتمع الأطباء على عروة وقالوا : اشرب المرقد . فلم يفعل وكره أن يفقد عضواً من جسمه دون أن يشعر به . قالوا : فاشرب كاساً من الخمر حتى تفقد شعورك . فأبى مستنكراً ذلك , وقال : كيف أشربها وقد حرمها الله في كتابه . قالوا : فكيف نفعل بك إذاً ؟!؟! قال : دعوني أصلي فإذا أنا قمت للصلاة فشأنكم وما تريدون !! ( وقد كان رحمه الله إذا قام يصلي سهى عن كل ما حوله وتعلق قلبه بالله تعالى ) . فقام يصلي وتركوه حتى سجد فكشفوا عن ساقه وأعملوا مباضعهم في اللحم حتى وصلوا العظم فأخذوا المنشار وأعملوه في العظم حتى بتروا ساقه وفصلوها عن جسده وهو ساجد لم يحرك ساكناً , وكان نزيف الدم غزيراً فأحضروا الزيت المغلي وسكبوه على ساقه ليقف نزيف الدم , فلم يحتمل حرارة الزيت , فأغمي عليه . في هذه الأثناء أتى الخبر من خارج القصر أن ابن عروة بن الزبير كان يتفرج على خيول الخليفة , وقد رفسه أحد الخيول فقضى عليه وصعدت روحه إلى بارئها !!! فاغتم الخليفة كثيراً من هذه الأحداث المتتابعة على ضيفه , واحتار كيف يوصل له الخبر المؤلم عن انتهاء بتر ساقه , ثم كيف يوصل له خبر موت أحب أبنائه إليه . ترك الخلفية عروة بن الزبير حتى أفاق , فاقترب إليه وقال : أحسن الله عزاءك في رجلك . فقال عروة : اللهم لك الحمد وإنّا لله وإنّا إليه راجعون . قال الخليفة : وأحسن الله عزاءك في ابنك . فقال عروة : اللهم لك الحمد وإنّا لله وإنّا إليه راجعون , أعطاني سبعة وأخذ واحداً , وأعطاني أربعة أطراف وأخذ واحداً , إن ابتلى فطالما عافا , وإن أخذ فطالما أعطى , وإني أسأل الله أن يجمعني بهما في الجنة . ثم قدموا له طستاً فيه ساقه وقدمه المبتورة قال : إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط وأنا أعلم . بدأ عروة رحمه الله يعود نفسه على السير متوكئاً على عصى , فدخل ذات مرة مجلس الخليفة , فوجد في مجلس الخليفة شيخاً طاعناً في السن مهشم الوجه أعمى البصر , فقال الخليفة : يا عروة سل هذا الشيخ عن قصته . قال عروة : ما قصتك يا شيخ ؟ قال الشيخ : يا عروة اعلم أني بت ذات ليلة في وادٍ , وليس في ذلك الوادي أغنى مني ولا أكثر مني مالاً وحلالاً وعيالاً , فأتانا السيل بالليل فأخذ عيالي ومالي وحلالي , وطلعت الشمس وأنا لا أملك إلا طفل صغير وبعير واحد , فهرب البعير فأردت اللحاق به , فلم أبتعد كثيراً حتى سمعت خلفي صراخ الطفل فالتفتُ فإذا برأس الطفل في فم الذئب فانطلقت لإنقاذه فلم أقدر على ذلك فقد مزقه الذئب بأنيابه , فعدت لألحق بالبعير فضربني بخفه على وجهي , فهشم وجهي وأعمى بصري !!! . قال عروة : وما تقول يا شيخ بعد هذا ؟ فقال الشيخ : أقول الله لك الحمد ترك لي قلباً عامراً ولساناً ذاكراً . هكذا قرائي الكرام فليكن الصبر , وهكذا فليكن الإيمان بالقضاء والقدر . رحم الله عروة بن الزبير وكثر الله من أمثاله الذين عرفوا معنى الإيمان بالقضاء والقدر حق الإيمان , وعرفوا الصبر في المصائب حق الصبر

من قصص السلف الصالح
القصة العاشرة

إليكم سير علم من أعلام الصالحين وإماماً من أئمتهم ورجلاً من رجالتهم، ما إن يذكر اسمه إلا ويذكر الزهد – وما إن يذكر الزهد إلا ويذكر اسمه. رجل هو الزهد، والزهد هو. غير أنه لم يدرك النبي وإنما كان على درجة من الفطنة والزكاة، والخشية والإنابة والعقل والورع، والزهد والتقوى ما جعله يشبه الصحابة الكرام بل قال عنه علي بن زيد لو أدرك أصحاب رسول الله وله مثل أسنانهم ما تقدّموه.

قال عنه أحد العلماء: كان جائعاً عالماً عالياً رفيعاً فقيها ثقة مأموناً عابداً ناسكاً كبير العلم فصيحاً جميلاً وسيماً. قال عنه أحد الصحابة: لو أنه أدرك أصحاب رسول الله لاحتاجوا إلى رأيه. كانت أمه خيرة مولاة لأم سلمة زوج النبي وكان مولده قبل نهاية خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بسنتين. وكانت أمه تخرج إلى السوق أحياناً فتدعه عند أم سلمة فيصيح جوعاً فتلقمه أم سلمة ثديها لتعلله به، إلى أن تجيء أمه – وإذا برحمة الله تنزل على الثدي فيدر لبناً فيرضع الطفل حتى يرتوي. فإذا هو يرتوي حكمة وفصاحة وتقى، فما إن شب صاحبنا إلا وينابيع الحكمة تنبع من لسانه وجمال الأسلوب ورصانة العبارة وفصاحة اللسان تتحدر من كلامه. إنه الحسن بن أبي الحسن يسار، الإمام شيخ الإسلام أبو سعيد البصري المشهور بالحسن البصري، يقال: مولى زيد بن ثابت، ويقال: مولى جميل بن قطبة. وأمه خيرة مولاة أم سلمة، نشأ إمامنا في المدينة النبوية وحفظ القرآن في خلافة عثمان. وكانت أمه وهو صغير تخرجه إلى الصحابة فيدعون له، وكان في جملة من دعا له عمر بن الخطاب. قال: اللهم فقهه في الدين، وحببه إلى الناس. فكان الحسن بعدها فقيهاً وأعطاه الله فهماً ثابتاً لكتابه وجعله محبوباً إلى الناس. فلازم أبا هريرة وأنس بن مالك وحفظ عنهم أحاديث النبي ، فكان كلما سمع حديثاً عن المصطفى ازداد إيماناً وخوفاً من الله. إلى أن أصبح من نساك التابعين ومن أئمتهم ومن وعاظهم ودعاتهم، وصار يرجع إليه في مشكلات المسائل وفيما اختلف فيه العلماء، فهذا أنس بن مالك ، سُئل عن مسألة فقال: سلوا مولانا الحسن، قالوا: يا أبا حمزة نسألك، تقول: سلوا الحسن؟ قال: سلوا مولانا الحسن. فإنه سمع وسمعنا فحفظ ونسينا. وقال أنس بن مالك أيضاً: إني لأغبط أهل البصرة بهذين الشيخين الحسن البصري ومحمد بن سيرين. وقال قتادة: وما جالست رجلاً فقيهاً إلا رأيت فضل الحسن عليه، وكان الحسن مهيباً يهابه العلماء قبل العامة، قال أيوب السختياني: كان الرجل يجالس الحسن ثلاث حجج (سنين) ما يسأله عن مسألة هيبة. وكان الحسن البصري إلى الطول أقرب، قوي الجسم، حسن المنظر، جميل الطلعة مهايباً. قال عاصم الأحول: قلت للشعبي: لك حاجة؟ قال: نعم، إذا أتيت البصرة فأقرئ الحسن مني السلام، قلت: ما أعرفه، قال: إذا دخلت البصرة فانظر إلى أجمل رجل تراه في عينيك وأهيبه في صدرك فأقرئه مني السلام، قال فما عدا أن دخل المسجد فرأى الحسن والناس حوله جلوس فأتاه وسلّم عليه. وكان الحسن صاحب خشوع وإخبات ووجل من الله، قال إبراهيم اليشكري: ما رأيت أحداً أطول حزناً من الحسن، وما رأيته قط إلا حسبته حديث عهد بمصيبة. وقال علقمة بن مرثد: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، فأما الحسن بن أبي الحسن البصري. فما رأينا أحداً من الناس كان أطول حزناً منه، وكان يقول أي الحسن: نضحك ولا ندري لعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا. فقال: لا أقبل منكم شيئاً، ويحك يا ابن آدم، هل لك بمحاربة الله طاقة؟ إن من عصى الله فقد حاربه، والله لقد أدركت سبعين بدرياً، لو رأيتموهم قلتم مجانين، ولو رأوا خياركم لقالوا ما لهؤلاء من خلاق، ولو رأوا شراركم لقالوا: ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب. قال مطر الوراق: الحسن كأنه رجل كان في الآخرة ثم جاء يتكلم عنها، وعن أهوالها. فهو بخبر عما رأي وعاين. وقال حمزة الأعمى: وكنت أدخل على الحسن منزله وهو يبكي، وربما جئت إليه وهو يصلي فأسمع بكاءه ونحيبه فقلت له يوماً: إنك تكثر البكاء، فقال: يا بني، ماذا يصنع المؤمن إذا لم يبكِ؟ يا بني إن البكاء داع إلى الرحمة. فإن استطعت أن تكون عمرك باكيا فافعل، لعله تعالى أن يرحمك. ثم ناد الحسن: بلغنا أن الباكي من خشية الله لا تقطر دموعه قطرة حتى تعتق رقبته من النار. وقال حكيم بن جعفر قال لي من رأى الحسن: لو رأيت الحسن لقلت: قد بث عليه حزن الخلائق، من طول تلك الدمعة وكثرة ذلك النشيج. قال يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهماً. وعن حفص بن عمر قال: بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني غداً في النار ولا يبالي. لله ما أطهر هذه القلوب، ولله ما أزكى هذه النفوس، بالله عليك قل لي: هل أرواحهم خلقت من نور أم أطلعوا على الجنة وما فيها من الحور أو عايشوا النار وما فيها من الدثور أم إنه الإيمان يكسى ويحمل فيكون كالنور نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء. سبحان الله لا إله إلا الله، ما الذي تغيّر هل لهم كتاب غير كتابنا أم أرواح غير أرواحنا أم لهم أرض غير أرضنا، لا والله لكنها القلوب تغيرت والنفوس أمنت والأجساد تنعمت، غيرتها الذنوب وقيدتها المعاصي حتى أصبحنا لا نرى هذه الصور الإيمانية ولا النفوس القرآنية وصرنا نذكرها كفقير يذكر غناه أو بئسٍ ينادي فرحة دمناه، أين إخبات الصالحين، أو خشوع المؤمنين أو دموع التائبين أو أنين الخائفين. أين أهل الإيمان، كمدتُ ألا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب. وكان الحسن البصري صاحب مواعظ وتذكير، ولكلامه أثر في النفوس وتحريك للقلوب. قال الأعمش: ما زال الحسن يعي الحكمة حتى نطق بها. وكان أبو جعفر الباقي إذا ذكره يقول: ذاك الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء. ومن كلامه رحمه الله: روى الطبراني عنه أنه قال: إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة، رجاء الرحمة حتى خرجوا من الدنيا وليست لهم أعمال صالحة. يقول أحدهم: إني لحسن الظن بالله وأرجو رحمة الله، وكذب، ولو أحسن الظن بالله لأحسن العمل لله، ولو رجا رحمة الله لطلبها بالأعمال الصالحة، يوشك من دخل المفازة (الصحراء) من غير زاد ولا ماء أن يهلك. عن حميد قال: بينما الحسن في المسجد تنفس تنفساً شديداً ثم بكى حتى أرعدت منكباً ثم قال: لو أن بالقلوب حياةً، لو أن بالقلوب صلاحاً لأبكتكم من ليلةٍ صبيحتها يوم القيامة، إن ليلة تمخض عن صبيحة يوم القيامة ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر من عورة بادية ولا عين باكية من يوم القيامة. وجاء شاب إلى الحسن فقال: أعياني قيام الليل (أي حاولت قيام الليل فلم استطعه)، فقال: قيدتك خطاياك. وجاءه آخر فقال له: إني أعصي الله وأذنب، وأرى الله يعطيني ويفتح علي من الدنيا، ولا أجد أني محروم من شيء فقال له الحسن: هل تقوم الليل فقال: لا، فقال: كفاك أن حرمك الله مناجاته. وكان يقول: من علامات المسلم قوة دين، وجزم في العمل وإيمان في يقين، وحكم في علم، وحسن في رفق، وإعطاء في حق، وقصد في غنى، وتحمل في فاقة (جوع) وإحسان في قدرة، وطاعة معها نصيحة، وتورع في رغبة، وتعفف وصبر في شدة. لا ترديه رغبته ولا يبدره لسانه، ولا يسبقه بصره، ولا يقلبه فرجه، ولا يميل به هواه، ولا يفضحه لسانه، ولا يستخفه حرصه، ولا تقصر به نغيته. وقال له رجل: إن قوماً يجالسونك ليجدوا بذلك إلى الوقيعة فيك سبيلاً (أي يتصيدون الأخطاء). فقال: هون عليك يا هذا، فإني أطمعت نفسي في الجنان فطمعت، وأطعمتها في النجاة من النار، فطمعت، وأطمعتها في السلامة من الناس فلم أجد إلى ذلك سبيلاً، فإن الناس لم يرضوا عن خالقهم ورازقهم فكيف يرضون عن مخلوق مثلهم؟ وسُئل الحسن عن النفاق فقال: هو اختلاف السر والعلانية، والمدخل والمخرج، ما خافه إلا مؤمن (أي النفاق) ولا أمنة إلا منافق، صدق من قال: إن كلامه يشبه كلام الأنبياء. توفي الإمام الحسن البصري وعمره 88 سنة عام عشر ومائة في رجب منها. بينه وبين محمد سيرين مائة يوم. رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جنانه وجمعنا وإياه في دار كرامته.
من قصص السلف الصالح
القصة الحادية عشر :

ذكر ابن الجوزي في كتابه : (( أمير المؤمنين عمر بن الخطاب )) هذه القصة : عن زيد بن اسلم عن أبيه : بينما عمر بن الخطاب يُعرض عليه الناس إذ به برجل له ابن على عاتقه ، فقال له عمر: ما رأيت غراباً بغراب أشبه من ذلك بهذا . فقال – أي الرجل-: أما والله يا أمير المؤمنين لقد ولدته أمه وهي ميته !! فقال : ويحك فكيف ذلك ؟ قال :خرجت في بعث كذا وكذا فتركتها حاملاً ، فقلت : أستودع الله ما في بطنك، فلما قدمت من سفري أُخبرت أنها قد ماتت ، فبينما أنا ذات ليلة قاعد في البقيع مع ابن عم لي ، إذا نظرت فإذا ضوء شبه السراج في المقابر ، فقلت لابن عمي ما هذا ؟ قالوا : لا ندري غير أنا نرى هذا الضوء كل ليلة عند قبر فلانة ، فأخذت معي فأساً ثم انطلقت نحو القبر ، فإذا القبر مفتوح وإذا هذا في حجر أمة فدنوت ، فناداني مناد ،أيها المستودع خذ وديعتك أما لو استودعتنا أمه لوجدتها ، فأخذت الصبي ونضم القبر . قلت :روى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إن الله استودع شيئاً حفظه )) . وروى ابن السني وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من أراد السفر فليقل لمن يخلفه أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه )) . وهذا الإعجاز لهذ المسافرالمستودع من بركات اتباع السنة فتأمل !

من قصص السلف الصالح
القصة الثانية عشر

قال الأصمعي : بينما أنا أطوف بالبيت ذات ليلة إذ رأيت شابًا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول:
يا من يجيب المضطر فى الظلم
يا كاشف الضر و البلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا
وأنت يا حي يا قيوم لم تنم
أدعوك ربي حزينًا هائمًا قلقًا
فارحم بكائي بحق البيت والحرم
إن كان جودك لا يرجوه ذو سفه
فمن يجود على العاصين بالكرم
***
ثم بكى بكاءً شديدًا و أنشد يقول :
ألا أيها المقصود فى كل حاجتي
شكوت إليك الضّر فارحم شكايتي
ألا يا رجائي أنت تكشف كربتي
فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي
أتيت بأعمال قباح رديئة
وما فى الورى عبد جنى كجنايتي
أتحرقني بالنار يا غاية المنى
فأين رجائي ثم أين مخافتي
***
يقول الأصمعي : فدنوت منه .... فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ... فقلت له : سيدي ما هذا البكاء والجزع .. وأنت من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ؟ أليس الله تعالى يقول : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرًا }.
فقال : هيهات هيهات يا أصمعي إن الله خلق الجنة لمن أطاعه .. ولو كان عبدًا حبشيًا ... وخلق النار لمن عصاه ولو كان حرًا قرشيًا ... أليس الله تعالى يقول: ( فإذا نفخ فى الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم فى جهنم خالدون )

من قصص السلف الصالح
القصة الثالثة عشر

كان أمية بن الأسكر الكناني يحب الجهاد في سبيل الله ، فطلب من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يخرجه للجهاد في بلاد فارس ، ففعل عمر ، وجاهد أمية هناك ، ثم عاد إلى المدينة ، وبقي فيها فترة حتى كبرت سنه ورق عظمه. وكان لأمية الكناني ولد يقال له كلاب ، كبر بين يديه حتى أصبح شاباً فتياً يافعاً ، وكان كلاب هذا عابداً زاهداً باراً بوالديه ، فأحبه أمية أشد ما يحب الأب ابنه ، فتعلقت به نفسه وذات يوم نادى الخليفة عمر ابن الخطاب للخروج إلى الجهاد ، فجاءه أمية وقال : يا أمير المؤمنين ، إني والله أحب الجهاد في سبيل الله ، وما يمنعني اليوم من الخروج إليه إلا ضعف جسدي وكبر سني ، فقام ابنه الوحيد كلاب فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا أبيع الله نفسي ، وأبيع دنياي بآخرتي ، فتعلق به أبوه وقال : لا تدع أبواك شيخين كبيرين ضعيفين ربياك صغيراً ؛ فما زال كلاب بأبيه يحاول فيه ويرضيه حتى أذن له بالخروج إلى الجهاد. وخرج كلاب إلى الجهاد فغاب عن أبويه ، وكان أمية كل ما تذكر ولده كلاب بكى وبكت زوجته ، وذات يوم جلس أمية خارج بيته فرأى حمامة تطعم فراخها ، فتذكر ابنه كلاب وأخذ يبكي ، ثم أنشد قائلاً :

لمـن شيخـان قـد نشدا كلابا *** كـتاب الله لـو قبل الكتابا
أنـاديه فـيـعـرض في إباءٍ *** فلا وأبي كلاب ما أصابـا
إذا هتفـت حمامـة بطن وجٍ *** على بيضاتها ذكرا كلابـا
فـإنْ مهـاجـريـن تـكنافاه *** ففارق شيخه خطِأً وخـابا
تركـتَ أباك مـرعـشة يداه *** وأمك ما تسيغ لهـا شرابا
تنفـض مهـده شفقـاً عليه *** وتجنبه أباعرها الصعابـا
فإنك قـد تركـت أباك شيخاً *** يطارق أينقاً شـرباً طِرابا
فإنك والتماس الأجر بعــدي *** كباغي الماء يتبع السرابا
وازدادَ بكاء أمية على ولده حتى ضعف بصره - ويقال عمي بصره - فقال سأذهب إلى عمر وأقسم عليه أن يرد علي ابني ، فردته زوجته ، فنهرها وذهب ، فلما دخل على الفاروق رضي الله عنه ، أنشد أبياتاً يقول فيها :

أعاذل قد عذلتِ بغير علـمٍ *** ومـا تدرين عـاذل ما ألاقي
فإما كـنتِ عاذلـتي فردي *** كـلابـاً إذ تــوجه للعراقِ
فتى الفتيان في عسرٍ ويسرٍ *** شديدَ الركنِ في يـوم التلاقي
فـلا وأبيكِ ما باليت وجدي *** ولا شفـقي عليكِ ولا اجتهادِ
فلو فلقَ الفـؤاد شديد وجد *** لهـم سـواد قلبـي بانفلاقِ
سأستعـدِ على الفاروقِ رباً *** لـه دفـعُ الحجيج إلى بساقِ
وأدعــو الله مجتهداً عليه *** ببـطـنِ الأخشبين إلى بقاقِ
إن الفاروق لم يـردُدْ كلاباً *** إلـى شيخين هـامهما زواقِ
فتأثر عمر تأثراً بالغاً ، وأرسل إلى أمير الجيش في العراق أن يردد كلاباً ، فأمر أمير الجند كلاب أن يرجع إلى المدينة ، فرجع كلاب لا يدري ما الأمر ، ولا يدري لماذا خُص بهذا الخطاب ، ولما وصل المدينة ذهب إلى عمر ابن الخطاب قبل أبويه ، فقال له عمر : يا بني ما بلغ من برك بأبيك ؟ فقال كلاب : كنت أؤثره على نفسي وأكفيه أمره ، وكنت إذا أردت أن أحلب له لبناً أجيء إلى أغزر ناقة في إبلي فأريحها ، وأتركها حتى تستقر ، ثم اغسل ضروعها حتى تبرد ، ثم أحلب له فيخرج الحليب بارداً ، ثم أسقيه إياه ، فأرسل عمر إلى أمية أن يحضر إليه ، فجاء أمية يتهادى قد انحنى ظهره ، فلما جلس قال له عمر : يا أمية ، كيف تجدك ؟ فقال : كما ترى يا أمير المؤمنين ، فقال عمر : يا أبا كلاب ، ما أحب الأشياء إليك ؟ قال أمية : ما أحب اليوم شيء ، ما أفرح بخير ولا يسوءني شر ، فقال عمر : ومع ذلك يا أمية ما ذا تتمنى ؟ فقال أمية : بلى ، أتمنى كلاب ، أحب أنه عندي فأضمه ضمه ، وأشمه شمه ، فرق له عمر وقال : ستبلغ ما تحب إن شاء الله .
وأمر عمر كلاب أن يحلب الناقة كما كان يحلبها لأبيه ، ثم أخذ عمر الإناء الذي فيه الحليب وأعطاه لأمية وقال : اشرب يا أبا كلاب ، فلما قرب أمية الإناء من فمه ، توقف برهة وقال : يا أمير المؤمنين ، والله إني لأشم رائحة يدي كلاب ، فجاء عمر بكلاب لأمية وقال : هذا كلاب يا أبا كلاب ، فوثب أمية من مكانه وضم ابنه وهو يبكي ، فبكى كلاب لبكاء أبيه ، وبكى عمر لبكائهما ، وبكى الجميع حتى ضج المجلس بالبكاء.
وقال عمر لكلاب : يا كلاب ، الزم أبويك وجاهد فيهما ما بقيا ، ثم شأنك بنفسك بعدهما ، وأمر بعطاءه وصرفه مع أبيه.
وقال كلاب يبين أنه لم يترك أبويه لدنياه ، وإنما تركهما لآخرته :
لعمركَ ما تركتُ أبا كلابٍ *** كبير السن مكتئباً مصابا
وأماً لا يـزالُ لهـا حنينُُ *** تناديني بعد رقدتها كلابا
ولكني رجوت به ثوابا
الموضوع مليء بالفوائد والعبر ، وأعظم فائدة يعلمنا إياها الفاروق رضي الله عنه ، أن أجر بر الوالدين أعظم عند الله من أجر المجاهد في سبيل الله على ما له من فضل عظيم

من قصص السلف الصالح
القصة 14

 جلس رجلان قد ذهب بصرهما على طريق أم جعفر زبيدة العباسية لمعرفتهما بكرمها. فكان أحدهما يقولاللهم ارزقني من فضلك.. وكان الآخر يقول: اللهم ارزقني من فضل أم جعفر . وكانت أم جعفر تعلم ذلك منهما وتسمع، فكانت ترسل لمن طلب فضل الله درهمين، ولمن طلب فضلها دجاجة مشوية في جوفها عشرة دنانير . وكان صاحب الدجاجة يبيع دجاجته لصاحب الدرهمين، بدرهمين كل يوم، وهو لا يعلم ما في جوفها من دنانير. وأقام على ذلك عشرة أيام متوالية، ثم أقبلت أم جعفر عليهما،وقالت لطالب فضلها: أما أغناك فضلنا؟ قال: وما هو؟ قالت مائة دينار في عشرة أيام، قال: لا، بل دجاجة كنت أبيعها لصاحبي بدرهمين. فقالت: هذا طلب من فضلنا فحرمه الله ، وذاك طلب من فضل الله فأعطاه الله وأغناه. يقول الشيخ عبد الحميد كشك يرحمه الله: من اعتمد على غير الله ذل، ومن اعتمد على غير الله قل. ومن اعتمد على غير الله ضل. ومن اعتمد على غير الله مل. ومن اعتمد على الله فلا ذلّ ولا قلّ ولا ضلّ ولا مل

من قصص السلف الصالح
القصة 15
حدثت هذه القصة في زمن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ، كان الإمام أحمد بن حنبل يريد أن يقضي ليلته في المسجد ولكن مُنع من المبيت في المسجد بواسطة حارس المسجد ، حاول معه الإمام ولكن لا جدوى ، فقال له الإمام
سأنام موضع قدمي ، وبالفعل نام الإمام أحمد بن حنبل مكان موضع قدميه فقام حارس المسجد بجرّه لإبعاده من مكان المسجد ، وكان الإمام أحمد بن حنبل شيخ وقور تبدو عليه ملامح الكبر ، فرآه خباز فلما رآه يُجرّ بهذه الهيئة عرض عليه المبيت ، وذهب الإمام أحمد بن حنبل مع الخباز ، فأكرمه ونعّمه ، وذهب الخباز لتحضير عجينه لعمل الخبز ، المهم أن الإمام أحمد بن حنبل سمع الخباز يستغفر ويستغفر ، ومضى وقت طويل وهو على هذه الحال فتعجب الإمام أحمد بن حنبل ، فلما أصبح سأل الإمام أحمد الخباز عن استغفاره في الليل :
فأجابه الخباز : أنه طوال ما يحضر عجينه ويعجن فهو يستغفر
فسأله الإمام أحمد : وهل وجدت لاستغفارك ثمره ؟
والإمام أحمد سأل الخباز هذا السؤال وهو يعلم ثمرات الاستغفار و يعلم فضل الاستغفار وفوائده.
فقال الخباز : نعم ، والله ما دعوت دعوة إلا أُجيبت ، إلا دعوة واحدة !
فقال الإمام أحمد : وما هي ؟
فقال الخباز : رؤية الإمام أحمد بن حنبل !
فقال الإمام أحمد : أنا أحمد بن حنبل والله إني جُررت إليك جراً


من قصص السلف الصالح
القصة 16
ماتت ابنة احد الصالحين فرآها في المنام فسألها عن حالها فقالت له : يا ابت نحن هنا نعلم ولانعمل وانتم تعملون ولا تعلمون
والله الذي لا اله غيره ان قول سبحان الله رأيناها هنا خير من الدنيا وما فيها.

من قصص السلف الصالح
القصة 17

كانت اثنتان من النساء المؤمنات تعبدان الله سويآ وعاهدت نفسيهما ان لو ماتت احداهما قبل الأخرى ان تستأذن الله ان تجيئ اليها في المنام وتخبرها بما فعل الله معها. فماتت احداهما وجائت لصديقتها في المنام بعدما استاذنت ربها جل في علاه. فسألتها كيف حالك؟
فقالت انا في الجنة . قالت بما دخلت الجنة؟ فقالت: دخلت بشي كنت اذكر به الله من ورائك. بشيئ لايعلم به الا الله. فقالت لها قولي لي ماهو؟ فقالت : كنت اذكر الله بخمس كلمات : لا اله الا الله اخلو بها وحدي. لا اله الا الله افني بها عمري. لا اله الا الله يغفر بها ذنبي . لا اله الا الله ادخل بها قبري. لا اله الا الله القى بها ربي. قالت: فلما لقيت الله عزوجل فتحت امامي خمس طرق كل طريق مكتوب عليه لا اله الا الله وقالت لي الملائكة: ادخلي اي طريق شئت فإنه يؤدي الى الجنة.

من قصص السلف الصالح
القصة 18

الزاهد عبد الله بن إدريس اشتد عليه الكرب فلما اخذ يشهق بكت ابنته
فقال : يا بنيتي لا تبكي فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة .. كلها لأجل هذا المصرع ..
أمّا عامر بن عبد الله بن الزبير فلقد كان على فراش الموت يعد أنفاس الحياة وأهله حوله يبكون فبينما هو يصارع الموت سمع المؤذن ينادي لصلاة المغرب ونفسه تحشرج في حلقه وقد أشتدّ نزعه وعظم كربه فلما سمع النداء قال لمن حوله : خذوا بيدي ..!!
قالوا : إلى أين ؟ ..
قال : إلى المسجد ..
قالوا : وأنت على هذه الحال !!
قال : سبحان الله .. !! أسمع منادي الصلاة ولا أجيبه خذوا بيدي
فحملوه بين رجلين فصلى ركعة مع الإمام ثمّ مات في سجوده
نعم مات وهو ساجد ..
** واحتضر عبد الرحمن بن الأسود فبكى فقيل له : ما يبكيك !! وأنت أنت يعني في العبادة والخشوع .. والزهد والخضوع ..
فقال : أبكي والله أسفاً على الصلاة والصوم ثمّ لم يزل يتلو حتى مات ..
** أما يزيد الرقاشي فإنه لما نزل به الموت أخذ يبكي ويقول :
من يصلي لك يا يزيد إذا متّ ؟ ومن يصوم لك ؟ ومن يستغفر لك من الذنوب ثم تشهد ومات ..
** وها هو هارون الرشيد لما حضرته الوفاة وعاين السكرات صاح بقواده وحجابه :
اجمعوا جيوشي فجاؤوا بهم بسيوفهم ودروعهم لا يكاد يحصي عددهم إلا الله كلهم تحت قيادته وأمره فلما رآهم .. بكى ثم قال :
يا من لا يزول ملكه .. ارحم من قد زال ملكه ..ثم لم يزل يبكي حتى مات ..
** أما عبد الملك بن مروان فإنه لما نزل به الموت جعل يتغشاه الكرب ويضيق عليه النفس فأمر بنوافذ غرفته ففتحت فالتفت فرأى غسالاً فقيراً في دكانه .. فبكى عبد الملك ثم قال : يا ليتني كنت غسالاً .. يا ليتني كنت نجاراً .. يا ليتني كنت حمالاً .. يا ليتني لم ألِ من أمر المؤمنين شيئاً .. ثم مات ..

من قصص السلف الصالح
القصة 19

روي أن الأحنف بن قيس كان جالساً يوما فجال بخاطره قوله تعالي
لـقد انزلنـا إليكـم كتاباً فيـه ذكركـم
فقال:
علي بالمصحف
لألتمس ذكري
حتي اعلم من أنا ومن أشبة؟
فمر بقوم
كانوا قليلاُ من الليل ما يهجعون
وبالأسحار هم يستغفرون
وفي أموالهم حق للسائل والمحروم
ومر بقوم
ينفقون في السراء والضراء
والكظمين الغيظ
والعافين عن الناس
فمر بقوم
يؤثرون علي أنفسهم
ولوكان بهم خصاصة
ومن يوق شح نفسه
فأولئك هم المفلحون
ومر بقوم
يجتنبون كبائر الإثم والفواحش
وإذا ما غضبوا هم يغفرون
فقال تواضعاُ منه
اللهم لست أعرف نفسي في هؤلاء
ثم أخذ يقرأ
ومر بقوم
إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون
ومر بقوم : يقال لهم
ما سلككم في سقر
قالوا لم نك من المصلين
ولم نك نطعم المسكين
فقال
اللهم إني أبرأ إليك من هؤلاء
حتي وقع علي قوله تعالي
وأخرون أعترفوا بذنوبهم
خلطوا عملاً صالحاً وأخر سيئاً
عسي الله أن يتوب عليهم
إن الله غفور رحيم
فقال
اللهم أنا من هؤلاء


من قصص السلف الصالح
القصة 20

كان الهرمزان من جملة الملوك الذين تحت يد يزدجر ( ملك الفرس ) .
قال ابن سعد : بعثه أبو موسى الأشعريّ إلى عمر ، ومعه اثنا عشر نفساً من العجم ، عليهم ثياب الديباج ومناطق الذهب وأساورة الذهب ، فقدموا بهم المدينة ، فعجب الناس من هيئتهم .
فوجدوا عمر في المسجد نائماً متوسداً رداءه ، فقال الهرمزان : هذا ملككم ؟
قالوا : نعم ، قال : أما له حاجب ولا حارس ؟! قالوا:الله حارسه حتى يأتيه أجله ،قال : هذا الملك الهَنيّ

من قصص السلف الصالح
القصة 21

قال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف : أتي عمر بكنوز كسرى ، فقال عبد الله بن الأرقم : أتجعلها في بيت المال حتى تقسمها ؟ فقال عمر :
فقال عمر : لا والله ، لا آويها إلى سقف حتى أمضيها ، فوضعها في وسط المسجد ، وباتوا يحرسونها .
فلما أصبح كشف عنها، فرأى من الحمراء و البيضاء ما يكاد يتلألأ ، فبكى، فقال له أبي : ما يبكيك يا أمير المؤمنين ، فوالله إن هذا ليوم شكر ويوم سرور !
فقال: ويحك إن هذا لم يُعطه قوم إلا ألقيت بينهم العداوة والبغضاء.

من قصص السلف الصالح
القصة 22

قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عند جده : قال عمر بن الخطاب : لقد خطر على قلبي شهوة السمك الطريّ .
قال : ورحّل ( يرفأ)( غلام عمر ) راحلته ، وسار أربعاً ، مقبلاً ومدبراً ، واشترى مكتلاً فجاء به ، وعمد إلى الراحلة فغسلها .
فأتى عمر فقال : انطلق حتى أنظر إلىالراحلة ، فنظر وقال : نسيت أن تغسل هذا العرق الذي تحت أذنها ، عذّبت بهيمة في شهوة عمر ، لاولله ، لا يذوق عمر مكتلك .

من قصص السلف الصالح
القصة 23

قال حذيفة بن اليمان : كنا جلوساً عند عمر فقال : أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة ؟ قلت : أنا ، قال : إنك لجريء .
قلت : فتنةالرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة و الصيام و الصدقة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
قال : ليس عنها أسألك ، ولكن الفتنة التي تموج موج البحر ، قلت : ليس عليك منها بأس ، إن بينك وبينها باباً مغلقاً ، قال : أيُكسر أم يفتح ؟ قلت : بل يكسر ، قال : إذاً لا يُغلق أبداً .
قلنا لحذيفة : أكان عمر يعلم من الباب ؟ قال : نعم كمايعلم أن دون غد الليلة ، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط ، فسأله مسروق : من الباب ؟ قال : الباب عمر

من قصص السلف الصالح
القصة 24

عن بشر بن بشير الأسلميّ ، عن أبيه قال : لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء ، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة ، وكان يبيع منها القربة بمُدّ.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( تبيعها بعين في الجنة )) ، فقال : ليس لي يارسول الله عين غيرها ، لا أستطيع ذلك ، فبلغ ذلك عثمان ، فاشتراها بخمسة و ثلاثين ألف درهم ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أتجعل لي مثل الذي جعلت له عيناً في الجنة إن اشتريتها ؟ قال : (( نعم )) ،قال : قد اشتريتها و جعلتها للمسلمين

من قصص السلف الصالح
القصة 25

قال معاوية رضي الله عنه : أماأبو بكر فلم يُرد الدنيا ولم تُرده ، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يُردها ، و أما نحن فتمرغنا فيها ظهراً لبطن .
وقال عكرمة بن خالد وغيره : إن حفصة ، وعبد الله ، وغيرهما كلموا عمر فقالوا : لو أكلت طعاماً طيباً كان أقوى لك على الحق ، قال : أكُلكم على هذا الرأي ، قالوا: نعم .
قال : قد علمتُ نصحكم و لكني تركت صاحبيَّ - يعني الرسول و أبا بكر - على جادة، فإن تركتُ جادتهما لم أدركهما في المنزل .
قال : و أصاب الناسَ سِنةٌ ( مجاعة ) فما أكل عامئذ سمناً ولا سميناً .
وقال ابن أبي مُلَيكة : كلم عُتبة بن فرقد عمر في طعامه، فقال عمر : ويحك آكل طيباتي في حياتي الدنيا و أستمتع بها ؟!
وقال مبارك ، عن الحسن : دخل عمر على ابنه عاصم وهو يأكل لحماً فقال : ماهذا ؟ قال : قَرِمنا ( اشتهينا ) إليه ،قال:أو كلما قَرِمت إلى شيء أكلته ! كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كل ما اشتهى

من قصص السلف الصالح
القصة 26

عن أبي الغادية الشاميّ قال : قدم عمر الجابية ( في بلاد الشام ) على جمل أورَق ، تلوح صلعته للشمس .
ليس عليه قَلَنسوة ولا عمامة ، قد طبق رجليه بين شعبتي الرحل بلا ركاب ، ووطاؤه كساء أنبجانيّ من صوف وهو فراشه إذا نزل ، وحقيبته محشوة ليفاً ، وهي إذا نزل وساده ، وعليه قميص من كرابيس ( قطن ) قد دسم و تخرق جيبه .
فقال : ادعوا لي رأس القرية ، فدعوه له فقال : اغسلوا قميصي و خيطوه و أعيروني قميصاً ، فأتى بقميص كتان فقال : ماهذا ؟قيل : كتان ، قال : وما الكتان ؟ فأخبروه ، فنزع قميصه فغسلوه ورقعوه ولبسه .
فقال له رأس القرية : أنت ملك العرب ، وهذه بلاد لا تصلح فيها الإبل . فأتي ببرذون ( بين البغلة و الحمار ) فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل ، فلما سار هُنَيهة قال : احبسوا ، ماكنت أظن الناس يركبون الشيطان ، هاتوا جملي .

من قصص السلف الصالح
القصة 27

أخرج البخاري من حديث أبي إدريس الخولانيّ قال : سمعت أبا الدرداء يقول :
كان بين أبي بكر و عمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر ، فانصرف عنه عمر مغاضباً فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له ، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه ، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقال أبو الدرداء : ونحن عنده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أما صاحبكم هذا فقد غامر )) .
قال : وندم عمر على ماكان منه ، فأقبل حتى سلّم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقصّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر ، قال أبو الدرداء : وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أبو بكر يقول : والله يارسول الله لأنا كنت أظلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( هل أنتم تاركون لي صاحبي ؟ إني قلت : ياأيها الناس ، إني رسول الله إليكم جميعاً ، فقلتم :كذبت ، وقال أبو بكر : صدقت ))

من قصص السلف الصالح
القصة 28

قال أنس بن مالك: إن حذيفة قدم على عثمان ، وكان يغزو مع أهله العراق قِبَل أرمينية ، فاجتمع في ذلك الغزو أهل الشام و أهل العراق ، فتنازعوا في القرآن حتى سمع حذيفة من اختلافهم ما يكره .

فركب حتى أتى عثمان فقال : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود و النصارى في الكتب ، ففزع لذلك عثمان ، فأرسل إلى حفصة أم المؤمنين : أن أرسلي إليَّ بالصحف التي جُمع فيها القرآن ، فأرسلت إليه بها ، فأمر زيد بن ثابت ، و سعيد بن العاص ، و عبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمن بن الحارث ابن هشام ، أن ينسخوها في المصاحف ، وقال : إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية فاكتبوها بلسان قريش ، فإن القرآن إنما نزل بلسانهم .
ففعلوا حتى كتبت المصاحف ، ثم رد عثمان الصحف إلى حفصة ، و أرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين بمصحف ، و أمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل إليهم به ، فذلك زمانُ حُرقت فيه المصاحف بالنار

من قصص السلف الصالح
القصة 29

عن محمد بن عبد الله الأنباري ، قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول : لما قَدِمَ هارون الرشيد إلى مكَة قعد في الحِجر هو و ولدُه ، وقومٌ من الهاشميين ، و أحضروا المشايخ ، فبعثوا إليَّ ، فأردت أن لا أذهب ، فاستشرت جاري ، فقال : اذهب لعله يريدأن تَعِظَه .

فدخلتُ المسجد ، فلما صرت إلى الحِجر قلت لأدناهم : أيُكم أميرُ المؤمنين ؟ فأشار إليه ، فقلتُ : السلامُ عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، فردَّ عليَّ ، وقال : اقعُد.
ثم قال : إنما دعوناك لتحدِّثنا بشيء ، و تعظَنا ، فأقبلتُ عليه ، فقلت : ياحسنَ الوجه ، حسابُ الخلق كلهم عليك . فجعل يبكي و يشهَقُ ، فرددتُ عليه ، وهو يبكي ، حتى جاء الخادم فحملوني و أخرجوني ، وقال : اذهب بسلام

من قصص السلف الصالح
القصة 30

عن معقل بن يسار : أن عمر شاور الهُرمزان في أصبهان وفارس و أذريبجان، فقال : أصبهان : الرأسُ ، وفارس و أذريبجان : الجناحان ، فإذا قطعت جناحاً فالرأس وجناح ، و إن قطعت الرأس وقع الجناحان .
فقال عمر للنعمان بن مُقرن : إني مُستعملك ، فقال : أما جابياً فلا ،و أما غازياً فنعم ، قال : فإنك غاز.فسرحه ، وبعث إلى أهل الكوفة ليمدوه وفيهم حُذيفة ، والزبير ، و المغيرة ، و الأشعث ، وعمرو بن معدي كرب .
فذكر الحديث بطوله ، وهو في (( مستدرك الحاكم )) وفيه : فقال : اللهم ارزُق النعمان الشهادة بنصر المسلمين ، و افتح عليهم ، فأمَّنوا ، وهز لواءه ثلاثاُ . ثم حمل ، فكان أول صريع رضي الله عنه .
ووقع ذو الحاجبين من بغلته الشهباء ، فانشق بطُنه ، وفتح الله ، ثم أتيتُ النعمان وبه رمق ، فأتيته بماء ، فصببت على وجهه أغسل التراب ، فقال : من ذا ؟ قلت : معقل ، قال : مافعل الناسُ ؟ قلت : فتح الله ، فقال : الحمدُ لله ، اكتبوا إلى عمرُ بذلك ، وفاضت نفسه رضي الله عنه .

من قصص السلف الصالح
القصة 31

عن ابن عباس ، أن عمر خطب الناس فقال في خطبته: وقد بلغني أن قائلاً يقول : لو مات عمر بايعت فلاناً ، فلا يغترن امرؤ أن يقول : كانت بيعة أبي بكر فلتة ، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر .
وإنه كان من خبرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع المهاجرون ، وتخلف علي والزبير في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخلف الأنصار في سقيفة بني ساعدة ، فقلت : يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار ، فانطلقنا نؤمهم ، فلقينا رجلان صالحان من الأنصار فقالا : لا عليكم أن لا تأتوهم، و أبرموا أمركم ، فقلت : والله لنأتينهم .
فأتيناهم في سقيفة بني ساعدة ، فإذا هم مجتمعون على رجل مزمل بالثياب ، فقلت :من هذا ؟ قالوا : سعد بن عبادة مريض ، فجلسنا ، وقام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد فنحن الأنصار و كتيبة الإيمان ، وأنتم معشر المهاجرين رهط منا ، وقد دفّت إليكم دافة ( القوم يسيرون جماعة سيراً ليس بالشديد ) يريدون أن يختزلونا ( يقتطعونا ) من أصلنا و يحضنونا ( يخرجونا ) من الأمر قال عمر : فلما سكت أردت أن أتكلم بمقالة قد كانت أعجبتني بين يدي أبي بكر : فقال أبو بكر : على رسلك ، وكنت أعرف منه الجد ، فكرهت أن أغضبه ، وهو كان خيراً مني و أوفق و أوقر ، ثم تكلم، فوالله ما ترك كلمة أعجبتني إلا قد قالها و أفضل منها حتى سكت ، ثم قال : أما بعد ، ماذكرتم من خير فهو فيكم معشر الأنصار ،و أنتم أهله و أفضل منه ، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسباً وداراً ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيهما شئتم ، و أخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح ، قال : فما كرهت شيئاً مما قاله غيرها ، كان والله أن أُقدَّم فتضرب عنقي لا يقرِّبني ذلك إلى إثم أحبّ إليّ من أن أتأمّر على قوم فيهم أبو بكر إلا أن تتغير نفسي عند الموت.
فقال رجل من الأنصار ( الحباب بن المنذر ) : أنا جُذَيلُها المُحَكّك ( الجذيل: تصغير جذل ،وهو عود يكون في وسط مبرك الإبل تحتك به وتستريح إليه ،فيضرب به المثل في الرجل يُشتفى برأيه ) و عُذيقُها المُرَجَّب ( العذيق : تصغير عذق ، وهو النخلة نفسها . و المرجب : الذي تبنى إلى جانبه دعامة . ترفده لكثرة حمله ولعزه على أهله ، فضرب به المثل في الرجل الشريف الذي يعظمه قومه )، منا أمير ومنكم أمير معشر المهاجرين .
قال : وكثر اللغط ، و ارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف ، فقلنا : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته ،و بايعه المهاجرون وبايعه الأنصار ، ونزوا ( وثبوا عليه ووطئوه ) على سعد بن عبادة ، فقال قائل : قتلتم سعداً. قلت : قتل الله سعداً ، قال عمر : فوالله ما وجدنا فيما حضرنا أمراً أوفق من مُبايعة أبي بكر ، خشينا إن نحن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة ، فإما بايعناهم على مالا نرضى ، و إما خالفناهم فيكون فساد .

من قصص السلف الصالح
القصة 32

ثابت بن قيس بن شماس : خطيب الأنصار، وخطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، شهد أُحداً ومابعدها ، قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس )).
قال عنه أنس بن مالك : لما انكشف الناس يوم اليمامة ، قلت لثابت بن قيس بن شماس : ألا ترى ياعم ؟ ووجدته يتحنَّط - أي يستعمل ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى و أجسامهم - ، فهو بذلك يستعد للشهادة وقد وطَن نفسه لها .
فقال : ماهكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بئس ما عودتم أقرانكم، و بئس ما عودتكم أنفسكم ، اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء - يعني المرتدين - و أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء - يعني المسلمين - ثم قاتل حتى قُتل رضي الله عنه بعد أن ثبت هو وسالم مولى أبي حذيفة .
هكذا كان الصحابة يرخصون نفوسهم لدينهم، ويثبتون عند البلاء والشدائد، فاستحقوا درجة الرضوان ، ودخول أعالي الجنان

من قصص السلف الصالح
القصة 33

هذا موقف من مواقف الثبات والتضحية بالأرواح ، مما سجله الصحابة الكرام بأسطر من نور في سجل التاريخ الخالد لأمتنا ، والذي ينبغي لنا الاقتداء به والسير على نهجه :
كان أبو عقيل: عبدالرحمن بن عبدالله البلوي الأنصاري الأوسي ، من أول من جرح يوم اليمامة ، رمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده ، فأخرج السهم ، ووهن شقه الأيسر، فأخذ إلى معسكر المسلمين ، فلما حمي القتال، وتراجع المسلمون إلى رحالهم ومعسكرهم ، وأبو عقيل واهن من جرحه سمع معن بن عديّ يصيح :يا للأنصار، الله الله والكرة على عدوكم ، وتقدم معن للقتال .
ونهض أبو عقيل يريد قومه ، فقال له بعض المسلمين : يا أبا عقيل، ما فيك قتال ، قال : قد نوه باسمي ، فقيل له : إنما يقول يا للأنصار ، لا يعني الجرحى، فقال أبو عقيل :فأنا من الأنصار ، وأنا أجيب ولو حبواً .
فتحزم أبو عقيل ، وأخذ السيف بيده اليمنى مجرداً ، ثم جعل ينادي : يا للأنصار كرة كيوم حنين، فاجتمعوا جميعاً ، وتقدموا بروح معنوية عالية يطلبون الشهادة أو النصر ، حتى أقحموا عدوهم الحديقة ، وفي هذا الهجوم قطعت يد أبي عقيل من المنكب ، ووجد به أربعة عشر جرحاً كلها قد خلصت إلى مقتل .
ومر ابن عمر بأبي عقيل وهو صريع بآخر رمق ، فقال : يا أبا عقيل ، قال : لبيك ، بلسان ثقيل ، ثم قال: لمن الدبرة ، فقال : أبشر ، قد قتل عدو الله ، فرفع أبو عقيل أصبعه إلى السماء بحمد الله .
قال عنه عمر : مازال ينال الشهادة ويطلبها ، وإنه لمن خيار أصحاب نبينا .

من قصص السلف الصالح
القصة 34

في معركة اليرموك أرسل أحد قادة جيش الروم واسمه القُبُقلار ، رجلاً من قضاعة يقال له ابن هزارف ، فقال له : ادخل في هؤلاء القوم – يعني المسلمين – فأقم فيهم يوماً وليلة ثم ائتني بخبرهم .
فدخل ابن هزارف في جيش المسلمين ، فأقام فيهم يوماً وليلة ، ثم رجع إلى قائد الروم ، فقال له القائد : ما وراءك ؟
قال: بالليل رهبان ، وبالنهار فرسان ، ولو سرق فيهم ابن ملكهم قطعوا يده ، ولو زنى رجم لإقامة الحق فيهم .
فقال القائد : لئن كنت صدقتني لبطن الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها ، ولوددت أن حظي من الله أن يخلي بيني وبينهم ، فلا ينصرني عليهم ، ولا ينصرهم عليّ .
بهذه الكلمات اليسيرات عبّر هذا العربي عن بعض أسرار القوة التي عند المسلمين ، والتي كانت من أسباب نصرهم على جيوش أكثر منهم عدة وعتاداً ، ومن ذلك :
- قوة الإيمان والصلة بالله عز وجل .
- الحرص على إقامة علم الجهاد ورفع رايته .
- الحرص على إقامة الحق وتطبيق الشريعة على الكبير والصغير، ولا تأخذهم في ذلك لومة لائم .

من قصص السلف الصالح
القصة 35

في معركة اليرموك خرج من بين صفوف الروم جَرَجَة – واسمه جورج بن تيودور، وكان يجيد اللغة العربية – حتى كان بين الصفين ونادى : ليخرج إليّ خالد ، فخرج إليه خالد دون تردد ، وأقام أبا عبيدة مكانه ، فوافقه بين الصفين حتى اختلفت أعناق دابتيهما ، وقد أمن كل منهما صاحبه .
فقال جرجة : يا خالد اصدقني ولا تكذبني فإن الحر لا يكذب ، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله ، هل أنزل الله على نبيكم سيفاً من السماء فأعطاكه فلا تسلّه على قوم إلا هزمتهم ؟
خالد : لا .
جرجة : فيم سميت سيف الله المسلول ؟
خالد : إن الله عز وجل بعث فينا نبيه صلى الله عليه وسلم ، فدعانا فنفرنا عنه ونأينا عنه جميعاً ، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه وبعضنا باعده وكذبه ، فكنت فيمن كذبه وباعده وقاتله ، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به فتابعناه ، فقال : أنت سيف من سيوف الله سلّه الله على المشركين ، ودعا لي بالنصر ، فسميت سيف الله بذلك ، فأنا من أشد المسلمين على المشركين .
جرجة : صدقتني . ثم أعاد عليه جرجة : يا خالد ؟ أخبرني إلام تدعوني ؟
خالد : إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده و رسوله ، والإقرار بما جاء به من عند الله .
جرجة : فمن لم يجبكم ؟
خالد : فالجزية ، ونمنعهم .
جرجة : فإن لم يعطها ؟
خالد : نؤذنه بحرب ثم نقاتله .
جرجة : فما منزلة الذي يدخل فيكم ويجيبكم إلى هذا ؟
خالد : منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا ، شريفنا و وضيعنا ، وأولنا و آخرنا .
جرجة : هل لمن دخل فيكم اليوم يا خالد مثل مالكم من الأجر والذخر ؟
خالد : نعم وأفضل ؟
جرجة : وكيف يساويكم وقد سبقتموه ؟
خالد : إنا دخلنا في هذا الأمر وبايعنا نبينا صلى الله عليه وسلم ، وهو حي بين أظهرنا ، تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتب ويرينا الآيات – المعجزات – ، وحق لمن رأى مثل ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع ، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج ، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا .
جرجة : بالله ، لقد صدقتني ولم تخادعني ولم تألفني ؟
خالد : بالله ، لقد صدقتك ، وما بي إليك ولا إلى أحد منكم حاجة ، وإن الله لولي ما سألت عنه .
جرجة : بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ولم تألفني ، علمني الإسلام .
فمال به خالد إلى فسطاطه ، وسكب على جسمه الماء من كل جهة لكي يتطهر قبل صلاته ، ثم صلى ركعتين بعد أن علمه خالد الصلاة
في هذا الحوار كثير من المعاني الرائعة التي تستحق الوقوف معها ومن هذه المعاني :
- تواضع سيف الله خالد عندما قال : أنا من أشد المسلمين على المشركين ، فكلمة (من) جعلت الجملة تفهم جرجة أن في الجيش كثراً من أمثال خالد .
- الحوار الذي دار أسلوب جميل للدعوة إلى الله دعوة إلى معروف بمعروف ببساطة ووضوح .
- توضح الفقرات احترام خالد التام لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
- يدل الحوار على شيء غفل عنه كثيرون ألا وهو : لوترك الملوك الدعوة الإسلامية وخلوا بينها وبين شعوبهم لجرت مثل هذه المناقشات فترى الشعوب بساطة ووضوح العقيدة الجديدة ومساواتها بين أميرها ووضيعها ومساواة حامل الدين الذي أسلم قبل سنوات وبين من سيسلم حديثاً كلهم أخوة وحقهم واحد وثوابهم واحد ولدخلت في دين الله هذه الشعوب .

من قصص السلف الصالح
القصة 36

نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ، هكذا قالها عمرالفاروق لأبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهما ، عندما قدم الشام ليتسلم مفاتيح بيت المقدس من البطاركة ، وقد كان يلبس ثوباً مرقعاً ، ويركب بغلة يتناوبها مع غلام له، فأرادوا منه أن يغير ملابسه وبغلته .

ذلك أن المسلمين إنما فتحوا البلاد وقلوب العباد بحبهم لربهم وسيرهم على نهج نبيهم وتعلقهم بجنة خالقهم ، فما عرفت الدنيا طريقاً إلى قلوبهم ، ولا تسلطت على نفوسهم .


وفي القصة التالية ما يشير إلى هذا المعنى ، إذ لما فتح المسلمون مصر بقيادة الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه أرسل المقوقس رسلاً إلى عمرو ، فحبسهم عمرو عنده يومين ، ولما رجعوا إلى القوقس سألهم : كيف رأيتم ؟ فقالوا : رأينا قوماً الموت أحب إلى أحدهم من الحياة ، والتواضع أحب إليهم من الرفعة ، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نهمة ، وإنما جلوسهم على التراب ، وأكلهم على ركبهم ، وأميرهم كواحد منهم ، ما يعرف رفيعهم من وضيعهم ، ولا السيد من العبد ، وإذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد ، يغسلون أطرافهم بالماء ويخشعون في صلاتهم . فقال المقوقس عند ذلك : والذي يحلف به ، لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها ، وما يقوى على قتال هؤلاء أحد !

لأجل هذا هابهم الأعداء وخشيهم الألداء ، ولما تنكبت الأجيال من بعدهم الطريق تداعت على أمتنا الأمم كتداعي الأكلة على قصعتها ، وماهم بقليل ، ولكنه حب الدنيا وكراهية الموت .

من قصص السلف الصالح
القصة 37

   لقد وقف الإسلام من السحر والسحرة موقفاً متشدداً لما فيه من أضرار كبيرة على اعتقاد المسلم وعلاقة المسلمين ببعضهم داخل مجتمعهم الإسلامي ، فقد روى النسـائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من عقد عقدة نفث فيها فقد سحر ، ومن سحر فقد أشرك ، ومن تعلق بشيء وكل إليه ) ، وقال أيضاً : ( لا يدخل الجنة مدمن خمر ، ولا مؤمن بسحر ، ولا قاطع رحم ) ، وروى جندب الأزدي عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال . ( حد الساحر ضربه بالسيف ) .
وهذه قصة من قصص التاريخ الإسلامي في موقف لأحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم تبين حرصهم على الحفاظ على عقائد المسلمين نقية طاهرة :
عن أبي عثمان النهدي قال : إن ساحراً كان يلعب عند الوليد بن عقبة الأمير ، فكـان يأخذ سيفه فيذبح نفسه ، ولا يضره ، فقام الصحابي جندب بن عبد الله الأزديّ رضي الله عنه إلى السيف فأخذه فضرب عنقه ، ثم قرأ { أفتأتون السحر وأنتم تبصرون }.
وعن أبي الأسود قال : إن الوليد [ أي : ابن عقبة ] كان بالعراق [ أي : والياً زمن عثمان رضي الله عنه ] ، فلعب بين يديه ساحر، فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به ، فيقوم خارجاً ، فيرتد إليه رأسه ، فقال الناس : سبحان الله سبحان الله ! ورآه رجل من صالحي المهاجرين [ يقصد جندب الأزديّ ] ، فلما كان من الغد اشتمل على سيفه ، فذهب ليلعب فاخترط سيفه فضرب عنقه ، وقال : إن كان صادقاً فليحي نفسه ، فسجنه الوليد ، فهربه السجان لصلاحه .

من قصص السلف الصالح
القصة 38

     الإسلام دين عظيم ، من أسلم فإنه يسلم على ما أسلف من خير ، يقبل الله توبته ، ويغفر له ما سبق من سيئات ، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، والإسـلام يجب ما قبله ، ومن أسـلم اليوم كان كمن أسـلم بالأمس في الحقوق والواجبات ، ويبقى لكل درجته في الفضل والعبادة والدعوة والجهـاد، كما قال تعـالى : { إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئـك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً } .
وكم في التاريخ الإسلامي من قصص لأناس أسلموا قبل موتهم بلحظات ولم يقدموا بين أيديهم أعمالاً صالحة كثيرة ، ومنها هذه القصة : عن ابن جابر قال : حدثنا القاسم أبو عبد الرحمن قال : غزونا مع فضالة بن عبيد رضي الله عنه ، ولم يغز فضـالة في البر غيرها ، فبينا نحـن نسرع في السير ، وهو أمير الجيش ، وكانت الولاة إذ ذاك يسمعون ممن استرعاهم الله عليه ، فقال قائل : أيهـا الأمير ، إن الناس قد تقطعوا ، قف حتى يلحقوا بك ، فوقف في مـرج عليه قلعة ، فإذا نحن برجل أحـمر ذي شـوارب ، فأتينا به فضالة ، فقلنا : إنه هبط من الحصن بلا عهد ، فسـأله ، فـقـال : إني البارحة أكلت الخنزير وشربت الخمر ، فأتاني في النوم رجلان ، فغسـلا بطني ، وجاءتني امرأتان فقالتا : أسـلم ، فأنا مسـلم . فما كانت كلمته أسرع من أن رمـينا بالـزّبار [ أي : الحجارة ] ، فأصابه فدق عنقه ، فقال فضالة : الله أكبر عمل قليلاً وأجر كثيراًًًًًً ، فصلينا عليه ، ثم دفناه

من قصص السلف الصالح
القصة 39

قال المسعودي في مروج الذهب :
عبر المعتصم – الخليفة العباسي- من مدينة سر من رأى من الجانب الغربي وذلك في يوم مطير ، وقد تبع ذلك ليلة مطيرة ، وانفرد من أصحابه، وإذا حمار قد زلق ورمى بما عليه من الشوك ، وهو الشوك الذي توقد به التنانير بالعراق ، وصاحبه شيخ ضعيف واقف ينتظر إنساناً يمر فيعينه على حمله .

فوقف عليه ، وقال : ما لك يا شيخ ؟ قال : فديتك ! حماري وقع عنه هذا الحمل ، وقد بقيت أنتظر إنساناً يعينني على حمله ، فذهب المعتصم ليخرج الحمار من الطين ، فقال الشيخ : جعلت فداك ! تفسد ثيابك هذه وطيبك الذي أشمه من أجل حماري هذا ؟ قال : لا عليك ، فنزل واحتمل الحمار بيد واحدة وأخرجه من الطين ، فبهت الشيخ وجعل ينظر إليه ويتعجب منه ، ويترك الشغل بحماره ، ثم شد عنان فرسه في وسطه ، وأهوى إلى الشوك وهو حزمتان فحملهما فوضعهما على الحمار ، ثم دنا من غدير فغسل يديه واستوى على فرسه ، فقال الشيخ : رضي الله عنك ، فديتك يا شاب! وأقبلت الخيول ، فقال لبعض خاصته : أعط هذا الشيخ أربعة آلاف درهم ، وكن معه حتى تجاوز به أصحاب المسالح – مواضع – وتبلغ به قريته .

هذه صورة رائعة من صور التواضع من خليفة من كبار الخلفاء في الدولة العباسية ، خفض فيها جناح ذله ورحمته لشيخ كبير من رعاياه ، لم ير لنفسه في هذا الموقف قيمة على من سواه ، إذ لم يصعر خده لهذا الشيخ الضعيف ، ولم ينتظر الأجناد حتى يدركوه فيأمر بعضهم بمساعدة هذا الرجل ، بل قام بالأمر بنفسه ، فضرب بهذا التصرف مثلا ًعجيباً في التواضع للمؤمنين .

وكيف لا يفعل وقد كان جده رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعاً للناس فقد كان إذا صافح أحداً لا ينزع يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده ، وكان ينقل مع أصحابه التراب يوم الأحزاب حتى رؤي بياض إبطيه ، وكان يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم ، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي حاجته ، وكان يجيب دعوة المملوك على خبز الشعير ، ويمر على الصبيان فيسلم عليهم ويمسح رؤوسهم ، بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه .

أفلا يعقل من في سلوكه ترفع ، وفي قوله تصنع ، وفي خده تصعر ، وفي تعامله مع إخوانه المسلمين قسوة وغلظة أن هذا ليس من الإسلام في شيء ! ألا ليتهم أدركوا ذلك وأصلحوه


من قصص السلف الصالح

القصة 40
يبتلي الله العباد بالقحط وجدب الأرض وانقطاع المطر وما ينتج عن ذلك من ضعف الزرع وهلاك المواشي وهزالها ، كل هذا حتى يتذكر الناس تقصيرهم في جنب الله ، و هزال أرواحهم ، فينيبوا إليه ويستغفروه ويقيموا الصلاة ويتضرعوا إليه أن يزيل عنهم القحط والجدب .

و لو تاب الخلق إلى ربهم وأصلحوا ما بينهم وبينه لكفر عنهم سيئاتهم وأنزل عليهم بركات من السماء والأرض ، فإنه سبحانه غني عن تعذيب خلقه فهو الغني وهم الفقراء .
وفي قصص السلف الصالح عبرة وعظة في تعاملهم مع هذه الظاهرة الكونية و العبرة الإلهية ، وهذه نماذج من تلك القصص :

جاء قيم أرض أنس بن مالك رضي الله عنه إليه فقال : عطشت أرضوك ، فتردى أنس ، ثم خرج إلى البرية ، ثم صلى ودعا ، فثارت سحابة وغشيت أرضه ومطرت حتى ملأت صهريجه وذلك في الصيف ، فأرسل بعض أهله فقال : انظر أين بلغت ؟ فإذا هي لم تعد أرضه إلا يسيراً .

وخرج أهل دمشق يستسقون وفيهم بلال بن سعد فقام فقال : يا معشر من حضر ألستم مقرين بالإساءة ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم إنك قلت : { ما على المحسنين من سبيل } ، وقد أقررنا بالإساءة ، فاعف عنا واسقنا ، فسقي الناس يومئذ .

وقحط الناس في بعض السنين آخر مدة الناصر فأمر القاضي منذر بن سعيد بالبروز إلى الاستسقاء بالناس ، فصام أياماً وتأهب ، واجتمع الخلق في مصلى الربض وصعد الناصر في أعلى قصره ليشاهد الجميع ، فأبطأ منذر ثم خرج راجلاً متخشعاً وقام ليخطب ، فلما رأى الحال بكى ونشج وافتتح خطبته بأن قال : سلام عليكم ، ثم سكت شبه الحسير ، ولم يكن من عادته ، فنظر الناس بعضهم إلى بعض لا يدرون ما عراه ، ثم اندفع فقال : سلام عليكم { كتب ربكم على نفسه الرحمة } استغفروا ربكم وتوبوا إليه ، وتقربوا بالأعمال الصالحة لديه ، فضج الناس بالبكاء ، وجأروا بالدعاء والتضرع ، وخطب فأبلغ ، فلم ينقض القوم حتى نزل غيث عظيم .
فهل علم الناس لماذا يدعون اليوم فلا يغاثون ، ويستسقون فلا يسقون ؟

مراد جدار المغربي الناظوري 

نادي الابداع العربي
nadi8.com

13 التعليقات:

  1. فعلا انها اجمل قصص معبرة ووافية لكل غافل عن الله

    ردحذف
  2. اشكرك على المرور العطر
    اهلا بك
    مرورك اسعدني
    الله يهدي جميع المسلمين

    ردحذف
  3. جميل جدا

    ردحذف
  4. مرورك هو الجميل اهلا بك ضيفا عزيزا اعد الزيارة

    ردحذف
  5. ماشاء الله.. روعة . ربى يوفقك ويوفقنا لفعل الخير.. أمين ياارب

    ردحذف
    الردود
    1. ماشاء الله.. روعة . ربى يوفقك ويوفقنا لفعل الخير.. أمين ياارب

      حذف
  6. اهلا اهلا بك اخي انت الرائع وشكرا على الرد الطيب

    ردحذف
  7. ما شاء الله قصص رائعة وعبر تأخذ منها أروع ..
    بارك الله فيك اخي ..
    ولو سمحت لي أن انقلها واشارك بها وجزاك الله خيرا

    ردحذف
  8. ما شاء الله قصص رائعة وعبر تأخذ منها أروع ..
    بارك الله فيك اخي ..
    ولو سمحت لي أن انقلها واشارك بها وجزاك الله خيرا

    ردحذف
  9. اكيد ممكن اخي ولكن غير العنوان واضف مقدمة من عندك
    حتى لا يعتبر موضوعك مكرر
    تحياتي لك
    ولجميع زوار الموقع

    ردحذف
  10. جزاكم الله خيرا قصص رائعة

    ردحذف
  11. جزاكم الله خيرا قصص رائعة

    ردحذف
  12. ررررررررررررررررررائع جزيت خيرا

    ردحذف

التعليقات الجارحة او التي تحتوي روابط واشهار وسبام ممنوعة منعا باتا